الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تناقضات

كثيراً ما نرى تناقضات في حياتنا اليومية، وفي كل ما يحيط بنا. ولو أمعنا النظر لرأينا كل شيء جلياً .. في الطب هنالك اكتشافات للقضاء على أعتى الفيروسات، ولكن ما يجعل هؤلاء الأطباء يحجمون عن وصفها ثبوت أضرارها على المستخدم .. وفي السياسة هنالك ما يخدم، ولكن مع مرور السنين ربما «يهدم». في شتى المجالات نرى هذه التناقضات من حولنا وبكثرة، وفي بدايات كل إنسان هناك عقبات وعثرات .. منا من يسقط ولا يقوم، وآخر يسقط السقطة تلو الأخرى، حتى إنك تقول في نفسك لقد تجاوز السقطات .. ولكن تُفاجأ بروحه المعنوية وقد وهنت وضعفت واستسلم لقدره .. وهناك المثابرون الذين لا يألون جهداً ولا يقفون عند أول عثرة أو آخر عثرة .. بل يستمرون ويهمّون بالصعود ويصعدون، ولا بد لكل منا من موجه وشخص يشحذ هممه وينير طريقه. أكاد أجزم بأن هناك لكل من يقرأ هذه الحروف، سنداً في يوم من الأيام، ربما ذهب هذا الهُمام وطلب مشورته وتوجيهه، وربما أتى هذا الموجه ووجه هذا البادئ في الخطوات وأخذ بيده وعلمه الجديد. وطلب المشورة والاستشارة ليس بعيب، ولا ينقص قيمة طالبها ومستجديها، ولا يرفع قيمة معطيها وواهبها .. في نظري لأنها تحتكم للصواب والخطأ، وأعجب من حالنا نحن أبناء البشر، ويا لها من حال .. فما بال أحدنا إن ألهمه الله وفتح عليه، من أنار بصيرته وسلك طريقا ناجحاً.. ما بالنا نبخل على من يطلبها منا؟ ألا يحق للمتعلم أن يوجه ويرشد. كنت ذات يوم بصحبة أستاذ فاضل، وأنا أنهل مما لديه، وإذا بهاتفه يرن. قلت يا أستاذ: لا بأس أن ترد عليه .. نظر إلى رقم الهاتف وقال: هذا الرجل يهاتفني من أقصى البلاد. قلت: ماذا يريد يا تُرى؟ قال: إنه يبحث عن كل إصداراتي ويلح أن تكون موقعة بتوقيعي. قلت: إلى هذا الحد؟ قال: نعم .. قلت: وما أنت فاعل معه؟ قال: سأرد عليه وترى وتسمع. فعلاً، هذا الأستاذ أحسن الترحيب به، وأعطاه رقم الإرسالية، وأصر عليه بعدم القطيعة .. عندما أغلق هاتفه وأنهى المكالمة، قلت يا أستاذ: هل تواجه مثل هذه الأمور كثيراً؟ قال لي: إني كنت أكتب وأؤلف وأنشر، وأنا مقتنع بكل ما أسهمت به من أعمال وقصص وروايات .. فلماذا أبخل بتثقيف من يبحث ويلح على طلبها؟ وتابع: لعلمك في بداياتي، كنت أنا من يبحث عن الكُتّاب والروائيين، وكنت أستمد منهم القوة والإرشاد والعزيمة والتوجيه. وجاء دوري الآن بأن أرد لمن يطلبها مني .. كل هذا الحوار دعاني لأن أقولها لمعلمينا ومثقفينا وكتابنا وروائيينا، ومن لهم ثقلهم الفكري والثقافي، والذين ننهل من معارفهم وثقافاتهم المتنوعة .. لا تبخلوا على من طلب الاستشارة والتوجيه .. فربما إهمال طلب أحدهم يقتل موهبة نحن بحاجتها.