الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

السعادة في رمضان .. للصائم فرحتان

ثوابان محققان: عاجل وآجل، وهما في الحقيقة فرحتان مميزتان، وسعادتان تغمران الصائم! وكلتاهما حصيلة الاحتساب والصبر والطاعة لله طوال يوم معاناة وحبس للنفس عن المفطرات والشهوات لله رب العالمين. والسعادة والفرح وجهان لعملة واحدة، يتقرب بها العبد لنيل رضوان الله تعالى، والالتزام بما أمر، والابتعاد عما نهى، وكلما كان الإنسان مدركاً للوقائع ويميز الصحيح من الخطأ في حياته، يسير وفق أمر الله فرحاً بما آتاه الله من فضله، وكلما انحط فكر الإنسان اتبع هواه، ﴿ومن أضل ممن اتبع هواه﴾؟ فأصبح ينظر ويقيس الفرح بمقياس عقله وهواه، فيفرح وهو لا يدري فيما يفرح! ﴿وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع﴾. وغير خافٍ أن الله سبحانه وتعالى يضاعف الصالح من عمل ابن آدم، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، إلا الصوم فجعل جزاءه من نوع خاص، لأن الصوم لله تعالى وهو يجزي به، فالذي يضع شهوته وطعامه وشرابه من أجل الرحمن الرحيم يعطيه الله تعالى فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، قال الله عز وجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك). [متفق عليه]. فالفرحة العاجلة: مشاهدة عندما يفطر الصائم يفرح بنعمة الله عليه بإكمال الصيام، كما يفرح بنيل شهواته التي منع منها في النهار. والفرحة الآجلة: يفرحها الصائم عند لقاء ربه برضوانه وكرامته، وهذه الفرحة المعجلة نموذج لتلك الفرحة المؤجلة، وأن الله سيجمعهما للصائم. ففرحة المسلم في الأولى، وهي فرحة انتهاء صومه، فجعل الله ذلك عيداً للمسلم بعد رمضان، يفرح به وبالأجر العظيم الذي ناله، فيصل رحمه ويكرم ضيفه .. وفرحته الأخرى عند لقاء ربه في الآخرة، وفرحه بالدرجات العلى في الجنة، وأن الله قد خصص له باباً يدخل منه إلى الجنة وهو باب الريان لا يدخله إلا هو وأمثاله من الصائمين، أليست هذه فرحة كبرى؟ ولكن الأمر يتعدى ذلك، ويتعدى الفرحة للشخص ذاته، وأنه يفرح كذلك للمؤمنين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر». وفي حديث «للصائم فرحتان» إشارة إلى أن الصائم إذا قارب فطره، وحصلت له هذه الفرحة، فإنها تقابل ما مر عليها في نهاره من مشقة ترك الشهوات. فهي من باب التنشيط، وإنهاض الهمم على الخير. ذلكم أن الصائم يوجه هذا الفرح بأنه فرح باستكمال هذه العبادة، فيحمد الله أنه أكمل هذا اليوم من غير أن يعرض له شيء يضطره إلى الفطر، ومباشرة ما امتن الله به عليه وأباحه له. قال ابن رجب، رحمه الله: أما فرحة الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً. وأما فرحه عند لقاء ربه: فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال تعالى: ﴿وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً﴾، وقوله تعالى: ﴿يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً﴾، وقوله تعالى: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره﴾. ومن هنا يستبشر الصائم، وهو يقترب من فطوره، بعاجل الفرحة التي تذكره بالفرحة العظمى عند لقاء الله، فلا يملك عند فطره إلا أن يلهج بالدعاء لربه أن ينجيه في آخرته، وأن يتمم له تلك الفرحة في موقفه بين يدي ربه، فالصائم دعوته لا ترد عند فطره، فهي ساعة رحمة. لذلكم كان رسول الله إذا أفطر قال «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله». وهو القائل «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل -أي الحاكم العادل- ودعوة المظلوم». فاللهم أفرحنا بإتمام الصيام والقيام، ومحو الذنوب والآثام، ودخول جنتك دار السلام، والنظر إلى وجهك يا ذا الجلال والإكرام.