الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

قبس الكلام في شهر الصيام (2-2)

والشهر كذلك أيها الأخوة الكرام تدريب على الإنفاق وكثرة الجود، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة: منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه، فإن العمل يشرف ويزداد ثوابه لشرف الزمان، أو المكان، أو لشرف العامل وكثرة تقواه. ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أن من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا. ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر. والله تعالى يرحم من عباده الرحماء. كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء)، فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل والجزاء من جنس العمل. ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تبع منكم اليوم الجنازة ؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تصدق بصدقة؟ قال أبو بكر: أنا، قال فمن عاد منكم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة). ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا، واتقاء جهنم والمباعدة عنها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الصيام جنة). وقال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة). وها هي العشر الأواخر قد حلت، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، ما لا يجتهد في غيرها. وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره» البخاري (1920) ومسلم (1174) زاد مسلم وجَدَّ وشد مئزره. ومن فضائل هذه العشر وخصائصها ومزاياها أن فيها ليلة القدر، قال الله تعالى: (حم. والكتاب المبين. إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم. أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين. رحمة من ربك إنه هو السميع العليم) سورة الدخان الآيات 1-6، وقوله «فيها يفرق كل أمر حكيم» أي تقدّر في تلك الليلة مقادير الخلائق على مدى العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداء والأشقياء والعزيز والذليل والجدب والقحط وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة. والمقصود بكتابة مقادير الخلائق في ليلة القدر -والله أعلم، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر، وقال الخليل بن أحمد: إنما سميت ليلة القدر؛ لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة. وقد أنزل الله تعالى في شأنها سورة تتلى إلى يوم القيامة، وذكر فيها شرف هذه الليلة وعظَّم قدرها، وهي سورة القدر. فقوله تعالى: (وما أدراك ما ليلة القدر) تنويهاً بشأنها، وإظهاراً لعظمتها، (ليلة القدر خير من ألف شهر) أي: إحْياؤها بالعبادة فيها خير من عبادة ثلاث وثمانين سنة، وهذا فضل عظيم لا يقدره قدره إلا رب العالمين تبارك وتعالى، وفي هذا ترغيب للمسلم وحث له على قيامها وابتغاء وجه الله بذلك؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس هذه الليلة ويتحراها مسابقة منه إلى الخير، وهو القدوة للأمة، فقد تحرّى ليلة القدر. ويستحب تحريها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه خاصة؛ لذا أخي المسلم: في رمضان أغلق مدن أحقادك، واطرق أبواب الرحمة والمودة، فارحم القريب وود البعيد، وازرع المساحات البيضاء في حناياك، وتخلص من المساحات السوداء في داخلك، صافح قلبك ابتسم لذاتك، صالح نفسك، وأطلق أسر أحزانك وعلّم همومك الطيران بعيداً عنك، أعد ترتيب نفسك، لملم بقاياك المبعثرة، اقترب من أحلامك البعيدة، اكتشف مواطن الخير في داخلك، واهزم نفسك الأمَّارة بالسوء. اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا. اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وحاضرنا وغائبنا. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.