الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

جلباب الخيانة

الوطن ليس مجرد تراب يحتويك، ولا مواطئ قدم تتنقل بين ضواحيه، والوطنية ليست شعارات زائفة تطلقها بين الفينة والأخرى، وتسحبها من جديد عندما تنتهي من تمثيلك. الوطن والوطنية أعمق بكثير من هذا التزييف الذي يتبجح به البعض، سواء على مستوى النخب أو المؤدلجين. عند المواقف الصعبة، والمحن الشديدة التي تمس أمن وسلامة وسمعة وطنك، يأتي هنا مقياس وطنيتك، فأنت إما جندي صف أول للذود عن حياض التراب الغالي، وإما ممتنعاً عن المشاركة لجهلك بالأحداث، وإما مؤدلجاً في حواضن المهاجم تمارس دور الخنجر في خاصرة الوطن. الواقف على مسار الحياد والمثالية، تحت ذريعة أن المواقف سياسية وقد تتبدل، فهو إما أن يكون شخص غير مطلع على تطورات الأحداث، أو غير مهتم لمجريات الأمور ولا يريد الخوض، ويسلم الأمر لأهل الاختصاص، فهنا المطلوب منه فقط إبداء موقف بطولي بقوله «إلا الوطن»، وأما عن الواقف في ذلك المسار، ويرتدي ذلك الجلباب «الحياد والمثالية»، ويدافع عن المهاجم تحت مبدأ وجوب الهدوء والتريث وعدم الاستعجال، والأخوَّة ولحمة الدم والنسب ونحوها، وتخوين الوطني الغيور وقذف قنوات الوطن المتعددة، فهذا هو من يستحق إطلاق كلمة «خائن» عليه. الواعي لمجريات الأحداث خلال السنوات القريبة الماضية، والمتابع لتسلسل المواقف للجارة الشقيقة، لا يمكن أن يقول: «التريث مطلوب»، فالأمر لا يحتاج إلى دلائل تثبُّت أو البحث عن طارد للشك، فسياسة تلك الشقيقة مع شقيقاتها الإقليمية، عبر ما يجري بثه من إساءات أو تلميحات عبر قنواتها، أو عبر ما تنيب فيه جهات أخرى، وتدفع بهم للنيل أو التهكم المباشر وغير المباشر، من خلال دفع مبالغ طائلة لصحف وكُتّاب غربيين لأجل ضرب خاصرة أوطاننا، لهو معنى جملة «إزالة الشك باليقين». الحقيقة أن أولئك الأشخاص المرتدين ذلك الجلباب، غير مستغرب منهم هذا الموقف، فخلال أزمة الفوضى في البلاد العربية منذ أواخر 2010، وإلى الآن وهم يقفون موقفاً مناهضاً ومتلوناً وغير واضح ، بل ويتخذون «شماعة وطنية» ليعلقوا عليها هجومهم وخيانتهم. صحيح أن السياسة تتبدل حسب المصالح المشتركة، لكن يتوجب على المواطن الصالح والواعي للمجريات أن يكون له موقف يتماشى مع متغيرات السياسة أيضاً، خصوصاً أن تلك المواقف المناهضة للوطن قد تتبعها حيثيات ومنعطفات خطيرة، لذا كل من وقف مع الوطن في محنته «ليس ببوق ولا مأجور». [email protected]