الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

إنسانية مزدوجة

أمام القضايا الإنسانية لن يجبرك أي شخص على ملء سلة «إيمانك» بحمل ما لا تقتنع به. ولك مطلق الحرية ـ ويا لها من كلمة ضخمة جداً! ـ في الوقوف مع قضية ما، أو معارضتها، أو التظاهر بأنها غير موجودة من الأساس. ولنتساءل كبشر يغلب عليهم الفضول حيناً ويغلبونه أحياناً أخرى؛ أيتوجب على القضية أن تبقى على نسختها الأصلية دون أن تتغير من لحظة ميلادها إلى أن تنتصر أو تُنسى؟ أم عليها أن تتبنى مقاربة أكثر تماشياً مع مجريات ما يدور من حولها لتظل واقفة على قدميها؟ وماذا إن لم يعجبك التغيير في مظهر القضية الجديد أو في شعاراتها، هل تنقلب من طرف لنقيضه؟ أم تقبل بكتف القضية وتتخلى عن خنصرها وبنصرها؟ ولأن القضايا الإنسانية، ثقيلة الوزن، فهي بحاجة للعديد ممن يؤمنون بها ليساعدوها على المضي قدماً. وبناء على ذلك قد يختلف تفكير الأجيال بها، وتتفاوت طرق حملهم لها من زمن لآخر. لكن أن أغضب من تصرف شخص، أو اثنين، أو مئتين من أصحاب قضية معينة لا يعد مبرراً لأن أنقلب على القضية برمتها! لك الحق بالغضب؛ لكن لتكن هوية الشخص - أو الأشخاص - الذين ستصب عليهم جام غضبك واضحة. وقد يرى البعض أن قضية الإنسان بغض النظر عن هويته، هي الأجدر بالوقوف خلفها. فيغلب على حكمهم الطابع الإنساني البحت. ويقررون أن القضايا المتفرقة تثقل كاهل الحياة العصرية؛ وأنه على الإنسان أن يتبنى الإنسانية ولا شيء غيرها. ومن الأرجح أن تحول قضيتك ـ أيها المؤمن بها - بينك وبين وقوف ذاك الإنساني في صفك. ولربما طلب منك بلغة مهذبة أن تتخلى عنها لتكسب كل شيء آخر غيرها! صحيح أننا اتفقنا على أنها حرية شخصية؛ لكن القضية ليست قبعة تضعها على رأسك زمناً ثم تقرر خلعها ببساطة والسير بدونها وكأن شيئاً لم يتغير. فأن تتبنى موقفاً في قضية معينة، أي أن تعلم أنك تضرب بكل خطوة تخطوها نحوها في جذور ارتباطك بها، فأنت مع «القضية»، مختلف كثيراً عنك بدونها. يقول فرانز كافكا: «حين نؤمن بشغف بأمر لم يحصل بعد؛ فإننا نوجده في الواقع أولاً بذلك الإيمان». [email protected]