الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

إشكالية التداخل بين مفهومي الثقافة والحضارة (1 - 2)

ـ 1 ـ كثيرة هي الكلمات التي نستخدمها بشكل يومي، وعندما نحاول تعريفها تعريفاً دقيقاً نواجه صعوبة شديدة. نحاول من خلال هذا المقال أن نسلط الضوء على كلمتين جرتا على ألسن الناس قولاً، وعلى آذانهم استماعاً، وهما «الثقافة» و«الحضارة». فالمصطلحان عامَّان مَطاطِيان يصعب حصرهما في معنى واحد بسبب التباين في المنطلقات والمرجعيات التي تنهل منها كل حضارة إنسانية، وكذلك بسبب التحولات التي تطرأ على مفهومهما عبر التاريخ. لكن يمكن أن نأخذ تفسيراً عاماً شائعاً ـ كمنطلق ـ، فنقول: «إن الحضارة هي مجموع منجزات أمة ما في العمران والعادات والتقاليد والصناعات والسياسات...» ومن هنا يمكن أن نلاحظ التداخل بين الحضارة والثقافة، برغم التباين الظاهر بينهما. فإذا كانت الحضارة هي منتج أمة ما، فإن الثقافة هي طريقة تعاطي وتعامل أفراد ومؤسسات مع ذلك المنتج. ما سبق يجرنا للحديث عن الخلط الذي وقع فيه بعض المفكرين أثناء بحثهم عن الفوارق بين الحضارة والثقافة. (فليب دربيان) في كتابه «الإسلام والديمقراطية» حينما يقول: (هناك إسلام سعودي وهناك إسلام مغربي وإسلام ماليزي...). فهذا الكلام يحمل في ثناياه شيئاً من النمطية، فالإسلام واحد باعتباره ديناً سماوياً رباني المصدر، وإنما المختلف فيه بين هذه الدول هو طريقة التعاطي مع هذا الدين وتباين الأفهام للنصوص الشرعية التي جاء بها دين الإسلام باعتباره منتجاً حضارياً لا يتعدد، بل الموسوم بالتعدد هي الثقافة التي تختلف باختلاف طرق التعاطي مع الحضارة الإسلامية. ـ 2 ـ ناقش (برهان غليون) ـ كذلك ـ جدل الثقافة والحضارة في كتابه «اغتيال العقل»، حينما جرد بعض مصادر الخلط الدارج بين المصطلحين. فاعتبر أن (الثقافة تصبح رديفاً للحضارة عندما تُستخدم للتمييز بين الشعوب البدائية التي تلتصق بالطبيعة أو الفطرة والغريزة، وبين الشعوب التاريخية التي تشكل الثقافة بعداً أساسياً من حياتها السياسية والمادية والروحية ..). والشكل الثاني لهذا الخلط هو (اعتبار الحضارة الترجمة المادية للقيم الأساسية الكامنة في كل ثقافة، واستخدامها في هذه الحالة على أنها مُؤشر على صلاحية هذه الثقافة أو أهليتها. وفي هذه الحالة الأخيرة لا تكون الحضارة إلا امتداداً للثقافة وتجسيداً تاريخياً لها. والشعوب التي لم تستطع أن تماشي الحضارة الحديثة يجب أن تعترف بعدم صلاحية ثقافتها .. وليس لها إلا أن تتبنّى قيم وأنماط الثقافة الجديدة التي توصف عادة بأنها عقلية أو علمية). أمام هذه الأخلاط ـ التي توفق (برهان) بجردها ـ، طفق هذا الأخير بتصويبها وتصحيحها بقوله: (إن أغلب الثقافات تطمح في الواقع إلى أن تكون عالمية .. ولن يكون لها ذلك إلا إذا تنكّرت لطابعها القومي الإقصائي للأمم المستضعفة، وتجعل ثقافتها منبعاً لقيم إنسانية عامة وكونية، فعندما تتلاقح الثقافات العالمية تتحقق الحضارة الإنسانية الجامعة، لتكون مصدر تكوين كل اجتماع بشري، بشرط امتزاج الثقافات وانفتاح بعضها على البعض الآخر).