الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الحياة الشخصية بين العمومية المباحة والخصوصية المحرَّمة

يعد الاعتداء على خصوصية الغير في غير الأحوال المصرح بها قانوناً من جرائم انتهاك حرمة الحياة الخاصة، وهي من الحقوق اللصيقة بالشخصية، وتتمثل علة تجريم هذه السلوكيات في رغبة المشرع بحماية حق الأفراد في حرمة حياتهم الخاصة وحصانتها بسياج يمنع الآخرين من تجاوزه دونما رضا صاحب الشأن في التصريح بذلك. وتُعرّف الخصوصية بأنها حق الأفراد أو المجموعات أو المؤسسات أن يحددوا لأنفسهم متى وكيف أو إلى أي مدى يمكن للمعلومات الخاصة بهم أن تصل للآخرين، وأما خصوصية الإنسان فإنها تدور وجوداً وعدماً مع حياته الشخصية. وتعد المحادثات الشخصية من عناصر الحياة الخاصة، ذلك أن المتحدث يفصح في الأغلب عبر وسائل الاتصال والتواصل الثنائي عن أمور يغلب عليها الطابع السري سواء كات محادثات مهنية أو عائلية أو أياً كان نوعها، الأمر الذي أسبغ عليها الحماية الجنائية من أي اعتداء أياً كان شكله، بحيث لا يجوز مطلقاً تسجيل تلك المحادثات أو مراقبتها أو نشرها بدون إذن ممن له الحق في منحه. كذلك يكون بث أو إفشاء المحادثات أو الاتصالات أو المواد الصوتية أو المرئية بنشرها وتداولها، شريطة أن تكون ذات طابع يمتاز بالخصوصية أو السرية، بحيث يجري بثها أو إفشاؤها دونما تصريح، وتقوم الجريمة سواء اطلع عليها شخص آخر أو لم يطلع عليها أحد. أما بالنسبة للصورة، فإنها تعد حقاً خالصاً للشخص، ذلك أن الصورة «ترسم ملامحه المادية والجسدية وتعكس ما يدور في خلده من أفكار وما يعتريه من انفعالات وما يخفيه من مشاعر ورغبات»، وعليه، فإن نشر صورة شخص ما دون تصريح قانوني يمثل اعتداء على حرمة حياته الخاصة. مع التأكيد على أن الشخص المشهور نظراً لوضعه الاجتماعي ونظراً لعلمه المسبق بما سيترتب على شهرته من آثار تتمثل في ملاحقة المعجبين والإعلام له في الأماكن العامة لالتقاط صور له، فإن رضاه حينها يكون مفترضاً كونه شخصية عامة يعلم مسبقاً بأنه ستسلط عليه الأضواء وستكون حريته مقيدة نوعاً ما وخصوصيته مباحة، وذلك كله ما لم يجر استخدام تلك الصور ومقاطع الفيديو في الإساءة له بأي شكلٍ من الأشكال. وتنتفي جريمة الاعتداء على الخصوصية في الأحوال المصرح بها قانوناً، كأن يصدر التصريح من جهة مختصة أو بموافقة ورضا صاحب الحق في الخصوصية، كما يمكن الدفع بانتفاء العلم في حال التصوير العام والظهور في الصورة بشكل عرضي لا بقصد تصويره بالذات. وكذلك الأمر بالنسبة للصور الشخصية المعلومة لدى الجمهور كتداول صور مطرب أو رئيس دولة طالما كانت الصورة معلومة مسبقاً لدى العامة، والحال سواء بالنسبة لقيام السلطات المختصة بنشر صور المتهمين المطلوبين أو الذين حُكم عليهم في القضايا جسيمة الضرر، خصوصاً القضايا الأمنية والإرهابية. وأيضاً لا يعد انتهاكاً للخصوصية متى قام الشخص بنفسه بالكشف عن بياناته وصوره والمقاطع الصوتية أو المرئية الخاصة به متى قام بنشرها وتداولها، ذلك أنه بمجرد قيامه بنشرها عبر أي من حساباته يعد ذلك موافقة منه بجواز التداول. و أكدت الأحكام القضائية أن التصوير العرضي في مكان عام لا يعد اعتداء على حرمة الحياة الخاصة، ولاعتبارات أن الأحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين؛ فإنه لا بد من بيان أوجه الاعتداء على الحياة الخاصة حتى تطمئن المحكمة عند إصدار حكمها، وهذا أمر يتوجب على النيابة العامة التثبت منه من خلال التحقق من مدى خصوصية المحتوى المنشور محل الادعاء.